زكية الدريوش تُجرّم “القوارب المعيشية” وتتجاهل الحلول الاجتماعية
في تطور جديد في قضية القوارب المعيشية بمدينة الداخلة، ردّت كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، زكية الدريوش، على سؤال كتابي تقدّمت به النائبة البرلمانية “نادية بزندفة”، معتبرة أن القوارب المعيشية هي قوارب “غير قانونية”، تم بناؤها دون رخص، وأن ملاكها كانوا يستغلونها خارج الإطار القانوني المنظم للصيد البحري.
خطاب قانوني في وجه إشكال اجتماعي
وفي ردها الكتابي، شددت “الدريوش” على أنه “من الضروري التوفر على رخصة لممارسة الصيد البحري والتجاري بالمنطقة الاقتصادية الخالصة”، مذكّرة بأن الوزارة قررت منذ سنة 1992 “تجميد الاستثمار في بناء واقتناء سفن جديدة حفاظًا على توازن المخزونات السمكية أمام مجهود الصيد”.
إلا أن هذا التبرير، الذي استُخدم كأرضية لرفض أي تقنين لوضعية القوارب المعيشية، يُظهر بوضوح نهجًا إداريًا يتعامل مع ظاهرة معقدة بمنطق زجري صرف، بعيد عن المقاربة الاجتماعية، خاصة أن هذه القوارب كانت مصدر عيش لمئات الأسر التي لم تجد بدائل اقتصادية أخرى في الجهة.
تبرير الماضي… وتجاهل الحاضر
واستحضرت “الدريوش” في جوابها ما وصفته بـ”الأزمة الخانقة التي شهدتها جهة الداخلة وادي الذهب سنة 2003″، مشيرة إلى أن تقليص مجهود الصيد ووضع برنامج لإعادة هيكلة القطاع ساهم في إعادة التوازن لمصيدة الأخطبوط، حيث تم حينها تعويض بعض مالكي القوارب الذين غادروا القطاع نهائيًا.
لكن رغم الإشارة إلى تجربة سابقة، فإن الجواب تجاهل الواقع الراهن، ولم يُقدم أي إجراءات عملية لمعالجة الوضعية الحالية للقوارب المعيشية، ولم يُجب عن السؤال الجوهري: ما مصير هذه القوارب وأصحابها اليوم؟ وهل من إرادة سياسية لإدماجهم بدل محاربتهم؟
تحذير من الانهيار… بدون بدائل
وأشارت كاتبة الدولة إلى ما سمّته “الوضعية المقلقة” التي يعيشها المخزون البحري، مؤكدة أن المفرغات شهدت انخفاضًا مهولًا خلال السنتين الأخيرتين، واعتبرت أن أي زيادة في مجهود الصيد “ستكون لها انعكاسات سلبية على استدامة المخزون، وعلى فرص الشغل والاستثمارات”، معتبرة أن الوزارة مطالبة بالتصدي “لكل ما يساهم في إضعاف منظومة الصيد البحري”.
غير أن هذا التحذير، وإن كان مشروعًا من الناحية التقنية ولغة الأرقام، جاء بدون أي تصور لإدماج الفئات التي تعيش على هامش السياسات الرسمية، ما يجعل الجواب أقرب إلى بيان إداري منه إلى سياسة عمومية منفتحة على الحلول.
تنمية انتقائية وخطاب مزدوج
وللتخفيف من حدّة موقفها، أشارت “الدريوش” إلى أن الوزارة قامت بتمويل 100 مشروع خاص بتربية الأحياء المائية بجهة الداخلة وادي الذهب، مؤكدة أن ذلك من شأنه “إدماج شباب المنطقة وخلق فرص شغل جديدة”.
لكن هذا المشروع لا يمسّ بشكل مباشر أو غير مباشر ملاك القوارب المعيشية، وحتى المستفيدين من مشروع تربية الأحياء المائية ما زالوا يتخبطون في عدد من المشاكل، ما يُظهر نية كاتبة الدولة المكلفة بالصيد في عدم التفاعل مع التنسيقية ووضع حلول معقولة لطيّ الملف.
حاجة ملحّة إلى مقاربة اجتماعية عادلة
إن ملف القوارب المعيشية ليس قضية أمنية أو تنظيمية فحسب، بل هو انعكاس مباشر لفشل سياسات الإدماج الاقتصادي والاجتماعي في جهة الداخلة وادي الذهب، التي تُعد من المناطق الغنية بالثروات البحرية والفقيرة في الفرص.
وتشبث “زكية الدريوش” بلغة القانون وحدها، دون عرض مسارات تسوية مشروعة، لن يؤدي إلا إلى توسيع الهوة بين الدولة والساكنة المحلية، وتهديد السلم الاجتماعي في جهة استراتيجية.