نظّم اليوم السبت 10 ماي مركز “يداس” للأبحاث والدراسات، بتنسيق مع المركز الثقافي، حفل توقيع كتاب “تيرس: حفريات في الأدب الجغرافي”، لمؤلفه محمد مولود الأحمدي، وذلك بالقاعة المتعددة الوسائط، بحضور عامل إقليم بوجدور، ورئيس المحكمة الابتدائية، وعدد من فعاليات المجتمع المدني والباحثين في التراث، وكذا الشعراء.
وفي كلمة للمؤلف، عبّر محمد مولود الأحمدي عن شكره للحاضرين، معتبراً أن إصداره الأكاديمي هذا هو محاولة لتدوين التراث الحساني، وقراءة تأسيسية تستفزّ الباحثين لسبر أغوار هذا التراث، كون الكتاب يُعدّ الوسيلة المثلى لنقل الثقافة، كما أن أرض تيرس تُعدّ مرتعًا خصبًا للشعراء، لما لها من سحر جيولوجي يأسر الألباب.
وقال الأستاذ والباحث الأكاديمي عبد الله الكطابي إن كتاب “تيرس: حفريات في الأدب الجغرافي” هو دراسة تجمع بين الإطار المنهجي والحسّ الشاعري، واصفًا لغة الكتاب بأنها شاعرية.
وتابع الكطابي في السياق نفسه أن الكاتب اتبع عددًا من المناهج، أبرزها المنهج التكاملي، والمنهج التاريخي، والمنهج التطبيقي، وقد ميّز بين ثلاثة أنواع من القرّاء لهذا المؤلَّف: قارئ ذو لسان حساني وطئ أرض تيرس، حيث يمكنه إعادة استنطاق ما شاهدته عيناه ليسترجع نوستالجيا المكان بكل مكوناته ووصفه وأشعاره؛ وقارئ ذو لسان حساني لم يسبق له أن رأى أرض تيرس أو تدبّر فضاءها؛ وقارئ ثالث لا يتحدث اللسان الحساني، حيث تميّز المؤلف في هذا الجانب بإدراجه للرسم الحساني ليساعد القارئ غير الحساني على فهم الشعر.
وخلال كلمته، أوضح الكطابي أن المؤلف يتكوّن من ثلاثة فصول: فصل نظري قدّم فيه الكاتب مجموعة من المفاهيم التي تُعدّ مفاتيح إبستمولوجية لفهم الكتاب، وفصل مونوغرافي تناول جغرافيا المكان ومناخه وتضاريسه وغطاءه النباتي، وفصل ثالث يتعلّق بالقصائد الشعرية، التي تضفي بُعدًا حسيًا وشاعريًا خاصًا، لكونها تضبط ذاك الخيط الناظم بين المكان والأدب والإبداع.
وفي قراءة نقدية ثانية قدّمها محمد فاضل فيرس، اعتبر أن هذا الإصدار الأكاديمي يشكل قيمة مُضافة في المجال الأدبي، منوّهًا بذكاء الكاتب في اعتماده اللون الأزرق كدلالة على السماء ولون الأرض، وكذا الأسماء المكتوبة باللون الأبيض، حيث فرّق بين تيرس البيضاء وتيرس السوداء، كإشارة إلى الغطاء النباتي الذي يحيل إلى الطلح والأشجار الكبيرة والأعشاب.
وأشار الفيرس في السياق ذاته إلى أن الإصدار يحتوي على مجموعة من الحقول المعرفية والدلالية، أهمها حقل الأدب، حيث تجلّت ميولات الشاعر في توظيفه للشواهد الشعرية من نهاية القرن التاسع عشر إلى حدود القرن العشرين.
وتابع المتحدث أن الأحمدي لم يغفل توظيف مفهوم الطلل، مقدّمًا العديد من النماذج الحية، إلى جانب حقل الجغرافيا الذي استعرض فيه التضاريس والمناخ والغطاء النباتي وأصول أسماء الأماكن، سواء الصنهاجية أو العربية، موضحًا أن الباحث اكتشف أن كل اسم مركب هو عربي، وكل اسم مفرد هو أمازيغي. تيرس إذًا، مكان ملهم لكبار الشعراء الذين شكّلوا مرجعية مهمة، أبرزهم محمد المامي ومحمد الطلبة، والذين ظلت أشعارهم متداولة عبر الأجيال.
وتطرّق الفيرس إلى البُعد البيداغوجي لدى الكاتب، الذي قدّم شروحات لفهم عتبات الكتاب، خاصة على مستوى البحور الشعرية، حيث اعتمد الأشعار المنظومة على بحر البتّيت بشكل خاص، مضيفًا أن الكاتب استعان بمراجع متعددة تناولت أدب الرحلة، منوّهًا بمستوى الخبرة لدى الأحمدي، كونه ممارسًا للثقافة، ومكتسبًا لتجارب شخصية متعددة. وختم الفيرس قراءته النقدية باعتبار الكتاب عملًا ممتعًا، يقود القارئ إلى عوالم أخرى، من نباتها ووحيشها وتضاريسها.
وجدير بالذكر أن الكتاب من إصدار مؤسسة آفاق للنشر، وقدّمه الدكتور والباحث في التراث محمد دحمان، بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة.